أدب الرعب، ذلك اللون الأدبي الذي يمزج بين الغموض، والخوف، والخيال، لطالما كان مرآة تعكس الهواجس الإنسانية العميقة، وتطرح أسئلة وجودية تتعلق بالموت، والغيبيات، والشر، والجنون. وعلى الرغم من أن هذا الأدب ارتبط تاريخيًا بالغرب، إلا أن جذوره تمتد أيضًا إلى عمق الثقافة العربية، لكن بلون مختلف ومتناثر ظل في الظلال حتى برز في العقود الأخيرة كجنس أدبي له هويته.
رغم أن “أدب الرعب” كمصطلح لم يكن شائعًا في التراث العربي، فإن ملامحه كانت حاضرة منذ قرون في الحكايات والأساطير الشعبية، وفي قصص ألف ليلة وليلة، وحكايات الجن، والسّعالي، والعفاريت، والموتى العائدين. فقد كانت القصص التي تُروى على ضوء القمر في البوادي والقرى، والتي تمتلئ بالكائنات الغريبة والمواقف الماورائية، تشكل اللبنة الأولى لأدب الرعب العربي، وإن لم تكن مصنفة رسميًا تحت هذا المسمى.
كما أن التراث الديني والتصوف الإسلامي قدّم سرديات مشبعة بعناصر الرعب: من مشاهد العذاب في القبر، إلى قصص المس، والجن، والعوالم الموازية التي لا تُرى، لكنها تؤثر وتتقاطع مع حياة البشر.
بدأت بذور أدب الرعب الحديث في الوطن العربي بالظهور الفعلي في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان من أوائل من أعطى هذا الأدب شكله المنهجي هو الدكتور أحمد خالد توفيق، الطبيب المصري الذي اعتبره كثيرون الأب الروحي لأدب الرعب العربي المعاصر. من خلال سلسلته الشهيرة “ما وراء الطبيعة”، والتي انطلقت في التسعينيات، قدّم شخصية “رفعت إسماعيل” كأول بطل عربي في عالم الرعب، يتحرك بين قصص غامضة، وأحداث خارقة للطبيعة مستلهمة من الفلكلور والأساطير العالمية.
نجح أحمد خالد توفيق في إدخال أدب الرعب إلى المكتبة الشبابية، بل وجعل منه لونًا يحظى بالاهتمام والمتابعة، بعيدًا عن كونه مجرد تسلية، بل أداة للتفكر والدهشة والتشويق.
بعد نجاح “ما وراء الطبيعة”، بدأت تظهر أسماء أخرى عربية تحاول طرق أبواب الرعب بأساليب مختلفة. من بين هؤلاء:
-
حسن الجندي: الذي أبدع في ثلاثية “مخطوطة بن إسحاق”، بمزج الرعب بالتاريخ والأساطير الإسلامية، مع عمق في التناول وصياغة مشاهد رعب نفسية وميتافيزيقية.
-
أحمد خالد مصطفى: صاحب “أنتيخريستوس”، الذي خاض في أعماق المؤامرات الكونية بنكهة رعب كوني وفلسفي.
-
أسامة المسلم: خاصة في سلسلة “خوف”، حيث دمج بين عناصر الرعب الواقعي والأسطوري، مستندًا إلى الموروث العربي والخليجي خاصة.
-
عبدالوهاب الرفاعي: من الكويت، الذي قدّم أعمالًا تمزج بين الخوف الوجودي والجانب الماورائي.
ومع انتشار وسائل التواصل والمنصات الإلكترونية، برزت موجة جديدة من الكتّاب المستقلين الذين باتوا ينشرون قصصهم عبر المنتديات أو كتب إلكترونية، مما وسّع دائرة هذا الأدب وجعل صوته يصل إلى جمهور أوسع.
ما يُميز أدب الرعب العربي عن نظيره الغربي أنه غالبًا ما يستند إلى الموروث الديني والأسطوري، إذ تلعب الجن، والسحر، والحسد، والعين، واللعنات القديمة، دورًا محوريًا في الحبكات، بخلاف الأدب الغربي الذي يتجه نحو الأشباح، ومصاصي الدماء، والوحوش.
كما أن البعد النفسي والروحي بارز في الأدب العربي، فغالبًا ما يرتبط الرعب بالسؤال عن المصير، والقدر، والخطيئة، والعقاب، ما يمنحه بعدًا أخلاقيًا وفلسفيًا.
رغم تطور أدب الرعب العربي، لا يزال هذا الأدب يواجه عدة تحديات، منها:
-
قلة النقد الأدبي المتخصص الذي يُعالج هذا اللون بجدية.
-
نظرة النخبة الثقافية التي لا تزال تعتبره أدبًا ترفيهيًا لا يرقى إلى مصاف الأدب “الجاد”.
-
شح الترجمة والانفتاح على التجارب الرعبية العالمية.
-
رقابة مجتمعية أو دينية أحيانًا تقف حجر عثرة أمام تناول موضوعات حساسة أو رموز أسطورية قد تُفهم على أنها مخالفة.
أدب الرعب العربي، على الرغم من حداثة ظهوره كتصنيف مستقل، إلا أنه يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ حضوره. ومع تزايد الاهتمام به من قِبل القراء، وتنوع أساليبه ما بين الرعب النفسي، والأسطوري، والواقعي، والتاريخي، يمكن القول إن هذا الأدب لم يعد مجرد ظاهرة، بل هو صوت ثقافي يُعبّر عن قلق الإنسان العربي، وعن ظلال الواقع التي لا يمكن رؤيتها بالعين، بل بالشعور، وبالكتابة.
ومن يدري؟ ربما يكون أدب الرعب هو الشكل الأدبي الأكثر قدرة على قول ما لا يُقال، لا بلغة الوضوح، وإنما بصوت الظلال.
عضو مدون في رابطة أدب الرعب