لطالما كنت مهووسًا بما وراء العلم. في سنواتي الأولى كطالب في الفيزياء النظرية، لم أستطع مقاومة التساؤل: ماذا لو كانت هناك أبعاد أخرى، عوالم تتجاوز إدراكنا؟ كنت مقتنعًا أن الإجابة تكمن في مكان ما، مخفية بين الأرقام والنظريات المعقدة. ثم جاءت الفرصة… الفرصة التي كنت أنتظرها طوال حياتي.
بدأ كل شيء حين تلقيت رسالة مشفرة عبر بريدي الإلكتروني. كانت من زميل قديم، الدكتور “فارس”، باحث مشهور بمشاريعه الجريئة والمثيرة للجدل. في الرسالة، تحدث عن اكتشاف مذهل – جهاز يمكنه فتح نافذة إلى بعد آخر. لم أتمكن من مقاومة الدعوة للعمل معه في هذا المشروع. كنت أعلم أنها مخاطرة، لكن الفضول كان أقوى من خوفي.
وصلت إلى المختبر في ليلة شتاء باردة. المكان كان مهجورًا، كأنه مختبأ عن العالم الخارجي. استقبلني فارس بوجهه المعتاد، لكنه كان يبدو متعبًا، شاحبًا وكأنه لم يذق طعم النوم لأيام. قدم لي الجهاز الذي كان يشبه كرة زجاجية صغيرة، محاطة بأسلاك معقدة. “هذا هو المفتاح” قال بصوت خافت، “لقد نجحنا في فتح النافذة، لكن… هناك شيء لم يكن في الحسبان.”
سألته عمّا يقصده، لكن عينيه كانت فارغة من أي إجابة. رغم كل التحذيرات الغامضة، بدأت التجربة. كانت هناك لحظة صمت غريب، كأن الزمن توقف لثوانٍ. ثم… حدث الانفجار.
استفاقت على الأرض، وحولي أدوات مدمرة. فارس اختفى. حاولت الوقوف، لكنني شعرت بأن الهواء في الغرفة أصبح أثقل، وكأن شيئًا غير مرئي يحيط بي. في الزاوية، ظهرت ظلال غريبة تتحرك ببطء، لم تكن تشبه شيئًا رأيته من قبل. كان هناك شعور ساحق بالخطر.
خلال الأيام التالية، حاولت إكمال التجربة وحدي. في كل مرة أقترب من الجهاز، أشعر أن هناك شيئًا آخر ينظر إلي من تلك النافذة المفتوحة، شيئًا يحاول العبور. بدأت أسمع أصواتًا… همسات تأتي من البعد الآخر. بدأت تظهر في أحلامي، وأصبحت أكثر وضوحًا في كل مرة.
كنت أعرف أنني لا يجب أن أستمر، لكنني كنت عاجزًا عن التوقف. الفضول تحول إلى خوف، والخوف إلى رعب. في كل مرة أعود إلى المختبر، أشعر بأن هناك شيئًا يسحبني نحو النهاية. وكلما اقتربت أكثر من الإجابة، أدركت أنني ربما لن أعود منها أبدًا.
Share this content:
راوي قصص - رابطة أدب الرعب
