حينما تجسّد الخوف
(حكاية المخلوقات التي وُلِدت في الظلام)
في كل ركن معتم من هذا العالم هناك قصة تنتظر أن تُروى، قصصٌ عن مخلوقاتٍ وُلدت من رحم الخوفِ، ومن خيال الإنسان حين جلس وحيدًا ليلًا يجالسُ الصمتْ، ويحاولُ أن يقنعَ القمر وبالبوحِ عمّن يسكنُ في أعماقِ ليله..
هل تظن أنك تعرف الرعب حق المعرفة؟
اقترب أكثر وسأفتحُ لك ثُقبًا صغيرًا إلى عالمٍ تسكنهُ مخلوقات لم تُخلق للنور.
في ظلالِ الكتبِ القديمةِ ينبض قلبُ وحشٍ، ويرتعش جناحَ مصاص الدماء، ويعلو عواء الرجل الذئب تحت القمر المكتمل.
فلا تخف في هذه الرحلة، كل ما عليك فعله أن تقرأ…
وتذكر: بعض الأبواب، ما إن تُفتح، لا تغلق ثانيةً بسهولة.
تعال معي في رحلة تاريخية نتحدث عن أشهر المخلوقات المرعبة في الأدب
فرانكشتاين – ذنبُ الخلق
فرانكشتاين (1818) – ماري شيلي
في ليلة عاصفة، جلست ماري شيلي إلى نار مدفأتها، تكتب عن رجل أراد أن ينازع الآلهة، فخلق وحشًا من شتات أجساد الموتى، لكنه حين أبصر الحياة في عينيه، أدرك فداحة ذنبه، فوحش فرانكشتاين لم يكن شريرًا أبدًا، بل كان انعكاسًا لخوف البشر من كل ما هو مختلف.
ومنذُ تلك الليلة وحتى اليوم، لا يزال وحشها يهمس في آذاننا: “من هو الوحش الحقيقي؟ أنا أم أنتم؟“
دراكولا – العطش الأبدي
دراكولا (1897) – برام ستوكر
في سهول ترانسيلفانيا المغمورة بالضباب، سكن الكونت دراكولا، سيد الليل وعاشق الدماء، فبرام ستوكر لم يخلق مجرد مصاص دماء، بل رسم أسطورة كاملة عن الجاذبية والخطر، وعن الخلود الذي يصبح عبئًا.
فمنذ ظهوره، لم يعد مصاص الدماء مجرد شبح يختبئ في التلال، بل صار رمزًا لكل شهوةٍ ورغبةٍ لا سبيل إلى إشباعها.
الرجل الذئب – أنين تحت القمر
الرجل الذئب (1830) – قصص كاثرين كرو وأخريات
عندما يستديرُ القمر يُسمعُ العواء البعيد، ويرتعشُ قلبَ الإنسان خوفًا من التحول، فالرجل الذئب لم يكن مجرد أسطورة، بل هو مرآة لوجوهنا الخفيةِ التي تبحثُ عن فرصةٍ للظهور، تلك التي نخفيها عن العالم وعن أنفسنا أحيانًا.
أدب القرن التاسع عشر احتضن هذه الحكاية القديمة، ومنذ ذلك الحين صار المستذئب رفيقًا دائمًا لكل قصص تحرر الوحشِ الداخلي والخوف من الذوات المُظلمة التي تنزوي داخلَ قلوبنا، والهرب من الحقيقة المخيفة التي نعرفها ونحاول إخفاءها.
كوثولو – الفزع الذي لا يُسمى
نداء كوثولو (1928) – هـ. ف. لافكرافت
في قاع المحيط خلف حجاب الزمان والمكان يرقد كوثولو، لا حي ولا ميت، ويحلم بعالم لا مكان فيه للبشر.
لافكرافت لم يكتب رعبًا مألوفًا، بل رسم كوابيس لا يفهمها العقل، فكوثولو ليس وحشًا يأتي ليأخذك…
إنه فكرة: أن هناك في الكون أهوالًا أعظم من أن تُدرك، وأقسى من أن تُواجه.
الزومبي – موتى لا يعرفون الموت
جزيرة المجنون (1929) – وليام سيبروك
في قلب طقوس الفودو الهايتية وُلدت فكرة الزومبي: أجسادٌ تسيرُ ولا تملكُ من نفسها شيئًا.
في البداية كان الزومبي انعكاسًا للرعب من الاستعباد ومن فقدان الإرادة، ثم تطور، حتى صار رمزًا للرعب الجماعي.
فعندما ينهار العالم من حولك، وتصير الحياة مجرد صراع للبقاء تصبحُ ميتًا لكنك حيّ.
بينيوايز – ابتسامة تخفي الهاوية
الشيء أو الرعب (1986) – ستيفن كينغ
حين كتب ستيفن كينغ عن بيني وايز، جعلنا ننظر إلى المهرج بعيون مختلفة، فلم يعد المهرج رمز الطفولة والضحك، بل صار قناعًا يخفي تحته كيانًا شريرًا يتغذى على مخاوفنا الدفينة.
فبيني وايز ليس مجرد قاتل أطفال… إنه الخوف نفسه وقد لبسَ وجهًا يعرف كيف يخدعُنا ببلاهته.
ومن وحش فرانكشتاين الذي يُجسدُ عن خطايا البشر، إلى بيني وايز الذي يقتات على مخاوفِ الطفولة، تأخذنا هذه الكائنات في رحلة عبر الزمان والمكان، وتكشف لنا هذه الحكايات أن الخوف لم يتغير كثيرًا رغم تطور العالم.
فالرعب الحقيقي لا يحتاج إلى عصور مظلمة أو قلاع مهجورة… بل يسكن في أعماق النفس البشرية، حيث تعيش أعتى الوحوش.
لذلك نحن لا نكتب عن الرعب فقط لنخاف، بل لنفهمه ونروّضه بالكلمات، ومن فرانكشتاين إلى كوثولو، ثم من الزومبي إلى بيني وايز، كانت هذه المخلوقات دائمًا مرآة تعكس قلق الإنسان وهشاشته وضعفه.
لذلك ربما، حين تطفئ نور غرفتك الليلة، تدرك أن بعض الوحوش لا تسكن الروايات وحدها… بل تسكن داخلنا، وتنتظر أن نصغي لهمساتها ونشعر بخدوشها تحت جلودنا.
تمّت
زينب الشمالي
٢٦–٤–٢٠٢٥
كاتبة ومؤلفة في أدب الرعب والفنتازيا