(Fantasy-Prone Personality) الشخصية شديدة التعلق بالخيال

0
(0)

تلعب الخيالات دورًا مهمًا في حياة الإنسان، فهي ليست مجرد وسيلة للهرب من الواقع، بل أداة نفسية قوية للتأمل، الإبداع، والتكيف مع الضغوط.

غير أن بعض الأفراد يتمتعون بقدرة غير عادية على الانغماس في عوالم خيالية لدرجة تؤثر على إدراكهم للواقع.

هذه الحالة تُعرف باسم الشخصية شديدة التعلق بالخيال، وهي نمط نفسي يتسم بقدرة عميقة على الانغماس في التخيل، لدرجة أن الحدود بين الواقع والخيال قد تصبح غير واضحة أحيانًا.

يشير مصطلح Fantasy-Prone Personality إلى نمط من الشخصيات التي تقضي وقتًا طويلاً في عوالم خيالية، وغالبًا ما تمتلك صورًا ذهنية شديدة الوضوح وثراءً في التفاصيل.

يُظهر أصحاب هذه الشخصية قدرة كبيرة على الدخول في حالات من «الانغماس الذهني» (absorption) تجعلهم يختبرون مشاعر وأحاسيس مرتبطة بتلك الخيالات كما لو كانت حقيقية.

تمت صياغة هذا المصطلح لأول مرة في الثمانينيات من قبل العالمة النفسية Sheryl Wilson وزميلها Theodore Barber، اللذين وصفا فئة من الأشخاص لديهم «قدرة مفرطة» على الانغماس في عالم الخيال والعيش فيه وكأنه جزء من واقعهم.

الأشخاص ذوو الشخصية شديدة التعلق بالخيال يتشاركون مجموعة من الخصائص النفسية والسلوكية، من أبرزها:

  • قدرة عالية على تخيل مشاهد وأحداث بتفاصيل دقيقة جدًا.

  • عيش المشاعر وكأنها حقيقية أثناء التخيل.

  • الانغماس في أحلام اليقظة لفترات طويلة.

  • الميل إلى تصديق التجارب الخارقة أو الماورائية بسهولة أكبر من غيرهم.

  • قابلية قوية للتأثر بالأدب، السينما، والموسيقى، بحيث تنعكس على مزاجهم وسلوكهم.

  • امتلاك صديق وهمي في الطفولة (وفي بعض الحالات، استمراره حتى البلوغ).

  • القدرة على استحضار تجارب حسية (بصرية، سمعية، لمسية) داخل الخيال.

تتعدد العوامل التي قد تسهم في تكوين هذا النمط من الشخصية:

  1. الطفولة الخيالية: غالبًا ما ينشأ الأفراد شديدو التعلق بالخيال في بيئات شجعتهم على الإبداع، أو كانت حياتهم الواقعية تتسم بالوحدة أو الضغط النفسي، ما دفعهم لخلق عوالم بديلة أكثر أمانًا.

  2. القدرة على الامتصاص الذهني (Absorption): وهي سمة نفسية تجعل الفرد أكثر قابلية للانغماس في فكرة أو مشهد ذهني واحد بشكل عميق.

  3. عوامل نفسية دفاعية: أحيانًا يُستخدم الخيال كآلية دفاع نفسية لحماية الذات من الصدمات أو الواقع المؤلم.

  4. الوراثة والبيولوجيا العصبية: تشير بعض الدراسات إلى أن هناك استعدادًا بيولوجيًا لدى بعض الأشخاص يجعلهم أكثر عرضة للانغماس في الخيال.

التأثيرات على الحياة اليومية

قد تكون هذه السمة مصدرًا للإبداع والإلهام، إذ يظهر العديد من الفنانين والروائيين والكتاب والمخرجين سمات قوية من الشخصية الخيالية… إلا أنها قد تُصبح مشكلة إذا أدت إلى:

  • صعوبة التمييز بين الواقع والخيال.

  • الانعزال الاجتماعي أو فقدان التركيز في الحياة العملية.

  • المبالغة في تفسير الظواهر اليومية على أنها «خوارق».

  • زيادة احتمالية الإيمان بالتجارب الغيبية غير المثبتة علميًا.

في بعض الحالات الشديدة، يمكن أن ترتبط هذه السمة بحالات نفسية أخرى مثل اضطرابات الانفصال (Dissociative Disorders).

أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في الشخصية شديدة التعلق بالخيال هو ميلها المرتفع للإيمان بالظواهر الخارقة والروحية… هؤلاء الأشخاص قد يصفون تجارب مثل رؤية أطياف أو سماع أصوات أو الإحساس بحضور كيان غير مرئي، دون وجود أسباب طبية واضحة… لا يعني ذلك بالضرورة إصابتهم باضطراب نفسي، ولكن حساسية إدراكهم تكون أعلى من المتوسط، مما يجعلهم أكثر عرضة لتأويل الأحداث بطريقة غير اعتيادية.

من المهم التمييز بين هذه السمة النفسية وبين الاضطرابات الذهانية أو الهلاوس المرضية. الشخصية شديدة التعلق بالخيال ليست اضطرابًا بحد ذاتها، بل سمة أو طيف من القدرات التخيلية. الفرق الجوهري هو أن الشخص غالبًا يكون مدركًا للطبيعة التخيلية لتجاربه، بينما في الاضطرابات الذهانية يُفقد هذا الإدراك.

رغم الجانب الحساس لهذه الشخصية، إلا أن لها فوائد عديدة:

  • الإبداع الفني والأدبي: كثير من الأعمال العظيمة في الأدب والفن والسينما خرجت من عقول أشخاص يملكون قدرة خيالية استثنائية.

  • القدرة على التقمص العاطفي: فهم الآخرين والتعاطف معهم من خلال تخيل مشاعرهم وتجاربهم.

  • الابتكار وحل المشكلات: الخيال الواسع يساعد على توليد أفكار جديدة وغير تقليدية.

إذا كان الانغماس المفرط في الخيال يسبب تأثيرًا سلبيًا، يمكن اعتماد استراتيجيات مساعدة مثل:

  • ممارسة التأمل الواعي (Mindfulness) للحفاظ على اتصال واضح مع الواقع.

  • تنظيم الوقت بين الخيال والنشاطات اليومية العملية.

  • الانخراط في نشاطات اجتماعية تقلل العزلة الذهنية.

  • التحدث مع أخصائي نفسي إذا تجاوزت التخيلات حدود السيطرة الذاتية.

في العديد من الثقافات، يمكن تفسير تجارب الخيال الغني على أنها رؤى أو إشارات روحية… هذا قد يعزز لدى أصحاب هذه الشخصية شعورًا بالخصوصية أو التفرد… ورغم أن هذه التجارب قد تحمل معاني رمزية عميقة للفرد، إلا أن دراستها علميًا تساعد على التفريق بين البعد الروحي والثقافي والبعد النفسي الإدراكي.

الشخصية شديدة التعلق بالخيال ليست خللاً، بل طيف من القدرات الإدراكية التي تتراوح بين الإبداع العميق والانغماس المفرط… عندما تُفهم وتُدار بوعي، يمكن أن تكون مصدر قوة وإلهام وإبداع… أما عندما يُترك الأمر دون وعي أو توجيه، فقد يؤدي إلى صعوبة في التوازن بين الخيال والواقع… فهم هذه السمة النفسية يفتح لنا الباب لفهم كيف يتشكل الإدراك البشري، وكيف يمكن للخيال أن يكون سلاحًا ذا حدين: مصدرًا للجمال… أو بابًا إلى الانعزال.

ما مدى فائدة هذه التدوينة؟

انقر على النجمة لتقييمها!

Share this content:

ك1-150x150 (Fantasy-Prone Personality) الشخصية شديدة التعلق بالخيال
عضو مؤسس ~ Web ~  منشورات أخرى

كاتب وباحث في علوم ما وراء الطبيعة والخوارق

وعلوم القوى المجهولة

error: Content is protected !!