أبراكساس هو أحد أكثر الرموز الغنوصية غموضًا وإثارة للجدل، إذ يُصوّر ككيان ميتافيزيقي يجمع في ذاته الثنائية المطلقة: الخير والشر، النور والظلام، الإلهي والشيطاني. ظهر اسمه للمرة الأولى في النصوص الغنوصية في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، خصوصًا في كتابات المدرسة الباسيليدية في الإسكندرية، حيث اعتُبر “العلّة العليا” أو القوة التي تعلو على الآلهة والملائكة والشياطين معًا.
يُكتب اسم “Abrasax” أحيانًا بهذا الشكل، ويُعتقد أن له قيمة عددية (365) وفق نظام حساب الجُمَّل اليوناني، مما جعله رمزًا للـ سنة الكونية، أي القوة التي تحكم جميع أيامها. وكان يُستخدم اسمه كتعويذة سحرية في أختام وتمائم حجرية محفور عليها صورته الغريبة: جسد إنسان، رأس ديك، وساقان على شكل أفاعٍ. هذه الهيئة لم تكن مصادفة، بل ترمز إلى القوة الكونية التي ترى في كل الاتجاهات، والنور الذي لا يُقهر.
في المعتقد الغنوصي، لم يكن أبراكساس شيطانًا ولا إلهًا تقليديًا، بل كيانًا أعلى من كليهما، يربط بين العالم الروحي والعالم المادي. بينما في القرون الوسطى، ومع صعود الكنيسة، صُنِّف اسمه ضمن الرموز السحرية المحرّمة وارتبط بالسحر الهرمسي والطقوس الغامضة، بل وأُدرج لاحقًا في بعض grimoires الأوروبية ضمن الأسماء التي لا تُنطق إلا في الطقوس الكبرى.
في الميتافيزيقا الحديثة، يُنظر إلى أبراكساس كرمز للوحدة بين المتضادّات؛ فهو ليس خيرًا مطلقًا ولا شرًا مطلقًا، بل كيانًا “ما بين العالمين”. كما استُخدم اسمه في أعمال فلسفية وأدبية مثل كتابات كارل يونغ، الذي رآه رمزًا لـ“الكلّية المظلمة للنفس الإنسانية”.