
“بدأت القصة في ليلٍ أسود لا نهاية لظلامه، حيث تحركت الظلال بخبث وكأنها تحيي روح الشر ذاتها.”
إليانا وياكم خير لفانا ولفاكم، وشر تعدانا وتعداكم… لكن لا خير هنا، ولا سلام. في زمن بعيد طواه النسيان، سكنت امرأة مرعبة تخشاها الديرة بأسرها. لا أحد نجا من شبحها الذي يُدعى “أم السعف والليف”. عند غروب الشمس، حين يعم الصمت وتخفت الأصوات، تبدأ بمطاردتها. لا فرق عندها بين الرجال أو النساء، حتى حراس السور الذين ظنوا أنهم بأمان لم يسلموا منها.
“أما أنا؟”
أنا الداية عزيزة، الجميلة التي كانت تسرق الأنظار دون أن يراها أحد. كنت أتستر بين الرجال بعباءتي السوداء، فلا يظهر مني شيء سوى سواد أعمق من ليلٍ بلا قمر. بشرتي السمراء كانت تخفي أسرارًا دفينة، وعيناي الكبيرتان تحت رموش كثيفة تحكي قصصًا لا يجرؤ أحد على سماعها.
كنتُ امرأة ذات معجزة. كل داء كان له علاج عندي، إلا الموت. أحببتني النساء وهابني الرجال، لكن لا أحد منهم عرف ما تخفيه عباءتي… سرٌّ لو كشف، لفرّ الجميع.
في تلك الأيام، اجتاح الديرة طاعون أسود كاللعنة. من أصابه، مات متعفنًا حيث يقف. كانت البيوت مليئة بالجثث، والأزقة صامتة كأنما خانها صوت الحياة. أهل البحر فقط نجوا، أولئك الذين كانوا يغوصون بعيدًا عن شواطئ الموت. حين عادوا، وجدوا الفرجان مهجورة، البيوت مكسوة برائحة المرض والموت.
لكن بين الخراب وصرخات الصمت، سُمع بكاء طفلة عند البحر. كانت صغيرة، عيناها تائهتان ووجهها يشبه الملاك، لكنها لم تسمع ولم تتكلم. الطفلة لم تكن مثلهم؛ لم يمسّها المرض، ولم يقربها الموت.
“اسمها رقيّة.”
هكذا نادتها المطوعة، المرأة التي ظنت أنها هدية من الله، طريقها إلى الجنة. ربيتها كابنتها، لكنها لم تكن تعلم أن في الجمال لعنة. جمال رقيّة كان أكبر من أن يمر بسلام. لم يكن جمالها وحده ملفتًا، بل كان هناك شيء في عينيها، شيء مخيف، كأنها ترى ما لا يراه البشر.
ابنة المطوعة الكبرى، قلبها ملأه الحقد. كيف يمكن لطفلة غريبة أن تسلب حب أمها؟ بدأت بالتآمر، ولم تدرك أنها حين أشعلت نار الكراهية، أطلقت شيئًا أكبر منها… شيئًا لا يمكن وقفه.
ومن هنا… تغير كل شيء.
كان هناك رجل غريب يظهر في الظلال. طويل القامة، عيناه سوداوان، يختبئ بين الحارات ينتظر رقيّة. لم يكن يناديها بصوت، بل كانت تسمعه في أعماق عقلها. كانت كلماته تتردد في رأسها كالطلاسم:
“رقيّة… تعالي معي… المكان ليس آمنًا لك هنا.”
لكن، هل كانت النجاة فعلاً معه؟ أم أن هذا الرجل كان يحمل في صمته قدرًا أشد رعبًا مما يمكن للعقل احتماله؟
الحساب الرئيسي في إضافة ملخصات الكتب في المكتبة - رابطة أدب الرعب

